نويت الأربعين، نويت الإعتكاف، نويت الخلوة، نويت الرياضة، نويت العزلة، نويت السلوك لله تعالى في هذا المسجد. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.
قد بعث الله أنبياء وختمهم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. لذا أمرنا الإسلام بطاعة جميع من جاء قبله صلى الله عليه وسلم من الرسل ولم يوجب طاعة جميع الأنبياء. وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ. أما الأنبياء فهم تبع للرسل وأما الرسل فواجب اتباعهم لهذه الآية. الرسل رموز وأسوة للجميع.
ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه. ثم أمرنا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ. تدل على الأنبياء الذين لا رسالة لهم.
أمرنا الله أن نكون مع الصادقين الذين يرمزون الصدق لأممهم والأولياء ورثة هؤلاء 124000 نبي. ليس لهم رسالة بل سلوك ومنهج سماوي يعملون به أولا فتتعلم منهم لأنهم يعكسون فيك التقوى، ليسلّكوا الناس سواء السبيل تبعا للرسول صلى الله عليه وسلم. فهم ورثة بعد غيوب الأنبياء فنسميهم أولياء الله. منهم من يحمل علما أخذوه من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ،ومنهم من يأخذ من نبي لا رسالة له. والكل أسوة لجماعاتهم. وهذه نقطة مهمة في فهمنا وتعليمنا. لذا ذكر الله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. منهم من توفي ومنهم من ينتظر دوره وهم الأسوة لنا حقيقة.
ليس كل مريد ولي أو أسوة مثلاً. الشيخ يختار بعضهم ليكونوا أسوة. ربما لا علم لهم للإرشاد فيكلفهم بإقامة ذكر الله. كما سأل من قال يا رسول الله قد كثرت علي شرائع الإسلام فأجابه صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ)) [مسند الإمام أحمد بسند صحيح] هم الطيب في الناس أو الورد من طيب رائحته. وليس بمكانة المرشد.
ومن لا شيخ له فشيخه الشيطان كما قلنا. لأن الشيطان سيأتيه بورد فاسد ورائحة خبيثة. أما صاحب التقوى فرائحته كما جاء في حديث الصائم، خلوفه أطيب عند الله من ريح المسك [أحمد في مسنده وصحيح مسلم والنسائي] وتحبه الملائكة وتصلي عليه. فهم أسوة في أزمنة مختلفة كالأنبياء المختلفين المتبعين لشرائع من قبلهم. سيدنا إسماعيل وسيدنا إسحاق تبع لسيدنا إبراهيم عليهم السلام. سيدنا يعقوب رسول لا أولاده عليهم السلام.
علم السلوك يبيّن الطريق المختلف للناس. نجد في طريقنا صعوبات كثيرة لأنه مختلط بشوائب الدنيا. وطريق الأولياء صفاء لذا إن اتخذته أصبح أسهل عليك. يرشدك إلى مقام الإحسان ولا يحتاج إلى كثير كلام معك.
ومنهم أصناف سميناها. وهم في كل مكان. ليرشدوا الأمة إلى أقدارها المقدَّرة لها. الله كذلك اختار مرشدين في الأمة كما اختار أنبياء ورسل.
في الطريقة غِيرة أي كراهة أن يشترك أحد في محبة الولي لله. فرض عليهم أن يفردوا محبتهم له تعالى. وعلى المريدين واجب أن يعلموا أن قمة محبتهم: الوصول إلى الله تعالى. لذا نقول: محبة الشيخ ثم محبة النبي يوصلك إلى محبة الله. أي لا ترى شيئا في حياتك إلى إرادة الله. لا يقبل الله من وليه سوى هذا. لا يحب لقلب عبده أن يرتبط بما سواه. لذا حكينا أمس عن رابعة العدوية أنها أخطأت لما نظرت إلى الجنة بقلبها.
طريق الأولياء ليس سهلا. نتكلم فيها أما هم يذوقونها. نحن فقط نسمع ونقرأ. سمع آدم لإبليس فخسر.
اللهم صل على سيدنا محمد حتى يرضى سيدنا محمد! قال ص حبك الشيء يُعمي ويُصم. يريد حبه لربه. إذا أحب الله لا يرى ولا يسمع سواه. لأن الله له غيرة يريد محبة عبده له بلا سوى فيعمى للدنيا ويصم. ومن بابه قوله: لي ساعة مع الرب وساعة مع الخلق. فلا واسطة ثم فهو كالأعمى بالنسبة إلى الدنيا. لذا دُعي ص إلى الإسراء والمعراج إلى قاب قوسين أو أدنى، حيث لم يكن يرى حتى نفسه. وسمعت من مولانا الشيخ أنه ص سؤل آنذاك: من أنت؟ فقال اللهم لا إله إلا أنت فغاب عن نفسه.
إذا أصبحت قريبا فلا ترى أي شيء إلا تلك الصفات القدسية التي يجلّيها الله تعالى عليك...
للحق غيرة عليك لذا يقال على لسان الحق: أوليائي تحت قبابي لا يعلمهم غيري.
ومن بابة الغيرة أيضا: حديث من عاد لي وليا آذنته بالحرب. رواه البخاري.
وليس للعبد من الأمر شيء: لا أعماله ولا أنفاسه ولا أذكاره! جميعه لله تعالى. وإذا تفرد أحد غيرة لله وصل إلى المحبة ثم الحضور: حضور الشيخ، حضور الرسول، حضور الله. ثم الفناء.
قيل: الغيرة غيرتان، بشرية على النفوس، وإلهية على القلوب. الأولى عمل نفس وشهوة. يؤخرك عن المقصود لأن الجسد لا يريد أن تفرد النفس محبتها لله. أما الثانية فإفراد القلب لله. ما في قلبي إلا الله! نبضه هو هو هو هو هو. هذا كود أو مفتاح خاص لكل أحد. إذا فتحه فهم ذكره الخاص لله وليس بين اثنين نفس الذكر، كل ذكر مختلف. والله يعلم هذا الذكر لأن كل مولود يولد على الفطرة، أي الإسلام فطرة الله. هذا هو النور الذي وضع في قلوب الناس: إن الدين عند الله الإسلام. الأديان كلها تنتهي إلى الإسلام. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قول سيدنا إبراهيم عليه السلام. ثم رسول الله ختم كل شيء.
فالذكر قائم إن شئت أم أبيت وإن توقف فهذه نهايتك! لا يفعل القلب أي شيء آخر لأن الله لا يحب منه إلا ذكره تعالى. لماذا أُخرج آدم على السلام إلى الأرض؟ قال القشيري: لما وطّن آدم نفسه على الخلود في الجنة ولذاتها غار الله عليه. كان آدم يحب أن يركن إلى الخلود في الجنة فلم يقبل الله منه هذا
غيرة عليه ليريه: لا تقدر أن تجعل نفسك فرحا بغيري. الله لا يخسر شيئا هو الخالق إنما الذي خسر هو آدم.
وقال: وإبراهيم لما أحب إسماعيل أمره الله أن يذبحه. لا يحب الله المنافسة. لا تحب غيري! كان رسول الله لا يجعل مع محبة الله أحدا. الناس يحبون أولادهم وهذا مقبول منهم. لكن غير مقبول من الأنبياء. أمره أن يذبحه حتى أخرجه من قلبه. وأطاعه سيدنا إبراهيم دون أن يسمع لأي شيء فقبل منه الله. تقبل الله منا وجعلنا في حفظه ومن الله التوفيق نتابغ غدا إن شاء الله.