أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. نويت الإعتكاف، نويت الأربعين، نويت الخلوة، نويت الرياضة، نويت العزلة، نويت السلوك، نويت الصيام في هذا المسجد.
من ذاق ظفر ومن لم يذق خسر. وشتان بين الظفر والخسران. من ظفر عرف صفوة طعامه وذاق. ومن لم يذق فهو كفاقد الذوق في فيه. إن أطعمته طيبا أو خسيسا لا يعرف الفرق. أما الأول فيطالبك بأطيب ما عندك. وأما الثاني فلا يبالي إلا بما يتغذى به: هو فقط يريد الطعام حتى لا يموت
أولياء الله هم أصحاب الذوق. ومن لم يصل إلى هذه المرتبة يعسر فهمها عليهم. يبقى كعلم الأوراق بالنسبة لهم، بخلاف علم الأذواق الذي لا يناله كل أحد لمشكلة النفس الأمارة فينا.
الأولياء يسيطرون على أنفسهم. قال تعالى وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ. أي:أعدوا قوة من عند الله لتسيطروا على أعدائكم. إذا أمر الله شيئا يعني هو يمد بمدد يؤهلك أو يقدرك على الطاعة، من بحر القدرة من حيث يستمد الأولياء ليغلبوا الشيطان الذي يعتدي على الجميع. لذا قال صلى الله عليه وسلم عن قرينه من الجن: أَسْلَمَ. رواه مسلم والدارمي.
الشيطان أبى أن يسجد لآدم من أجل الحسد لأن آدم حامل نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قال: لماذا نال هو المقام المحمود ولم أنله أنا؟ فلعنه الله. لكن قال الرسول صلى الله عليه وسلم: جعلت إبليس يسلم لي، فما معناه؟ أي ليعلم الشيطان أني قد نلت المقام المحمود والشفاعة والوسيلة وقاب قوسين أو أدنى! وحيثما جاهدت أنت أن تغوي أمتي فأنا أمنعك وينجون منك بشفاعتي. قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. الترمذي وأبوداود والبزار والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي. أي أهل الصغائر أيضا ضمنا.
إذاً سيأخذ الرسول الأمة معه إلى الجنة. لكن علينا بالمجاهدة ولو كنا ضعفاء. أمسك خيلك لا تدعه فالتا. وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ. أي ما تقدرون: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ليعلموا أن الله رحيم غفور أرحم الراحمين. فجاهدوا ما استطعتم.
الشيطان عدوّنا. لا الإنسان. يقولون اليوم: هذا البلد عدونا. فيتنافسون في اقتناء الأسلحة الدمارة. لماذا؟ للسيطرة والتكبر على الغير. لكن من عفا وأصلح فأجره على الله. اجعل الجميع صديقكك لماذا العداوة. إنما هو الكبر، يخترعون العدوان والله يخبرك أن عدوك إنما هو الشيطان لا غير. فأعدّوا ما استطعتم لذاك النضال.
ربما لم تشعل سيارتك لكن تحاول مرة أخرى حتى تشتغل. فلا تيأسوا. وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ: أي من آلة تحملك. افهموا المعاني وليس فقط ما يخطر في البال. المعاني آلاف المعاني. فتحتاج إلى مركب يأخذك حيثما شئت. وللسيارة أجزاء لا بد أن تشتغل.
كان أبو يزيد البسطامي أعظم ولي عصره. كانت تأتيه الهواتف. استأذن ربه يوما عند الكعبة وهو يمسك ببابها. قال: لتأذن لي يا ربي فقط سويعة لأقبض على إبليس لأحبسه عن الأمة! فجاء الجواب: يا أبا يزيد أنظر ماذا تسأل؟ لو شئتُ لأوقفته بأقل من لحظه وطردته من الوجود. يا أبا يزيد أنظر فوقك إلى باب ملتزم. فنظر فغشي عليه. فلما أفاق أخذ يزحف حول الكعبة وهو يقول: ربي عفوك ورضاك. أخطأتُ لما تدخلت في إرادتك فاعف عني! قال: يا أبا يزيد الذي رأيته هو تجلي رحمتي النازلة لتطهير عبادي. أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. يا أبا يزيد إني منزل هذه الرحمة على هذا البيت. إن قبضتَ على إبليس فلن يجاهد أحد بعد ذلك. فلا مجاهدة وكأنهم في الجنة، فكلهم على حد سواء من الرتبة. لكن أتركهم يجاهدون لينالوا مقامات القرب مني. ومن يقلل من المجاهدة فهو مبعد عني.
لذا أولياء الله على استعداد لاستعمال قواهم التي هي كزر الإشعال في السيارة. إذا أشعل فكل شيء شغال. فعليك بالزر الأول إذا اشتغل فتذوق كل شيء. ثم هناك قياسات مختلفة في الطاقة: بين وات واحد وملايين الوات! يا أبا يزيد بحسب ما يجتهدون لتزكية أنفسهم فأنا أؤهلهم بالقوة.
لماذا نسافر إلى الكعبة ونطوف بها؟ أللجدران؟ أو ماذا في داخلها؟ في آلة الأشعة هناك أشعة ليست ظاهرة فلماذا تراها الآلة ولا تراها أعيننا؟ لأنا لم نكبس الزر بعد. وأولياء الله كبسوه. لذا فسرنا مراتب الأولياء المختلفة وكلهم تحت الغوث كما أن جميع الأنبياء تحت الرسول صلى الله عليه وسلم. والغوث يأخذ من الرسول بقوة هائلة. وتحته الأقطاب الخمس وتحتهم مراتب خمسة أخرى تحوي إلى 70000 ولي: البدلاء والنجباء والنقباء والأوتاد والأخيار. لكل واحد منهم كبسة تختلف قوتها. فهم أخذوا هذه القدرة ويحتاجون إلى مركب الذي هو دليلهم، كما ذكر في الآية السالفة، مركب يأخذك إلى السلامة والأمان.
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ أي إبليس والشياطين الذين هم أعداء الإنس كيف إرهابهم؟ بتجاهلك إياهم فيغلون! كما حصل لأبي يزيد يوما ممطرا، رأى شخصا يضع ألجمة على أفواه الناس فتفرس به أبو يزيد أنه إبليس يفتن الناس. فخاطبه أبو يزيد بنوع من التكبر وسأله يا ملعون ماذا تفعل؟ قال: هم لي أتخذهم مركبا. قال ألم تستح قال لا بل هم لا يستحيون ولا يطيعون الله. هكذا الناس، يستمعون إلى الشيطان فيقعون في المصائب، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أسلم شيطاني.
في القلب أمكنة يدخل فيها الشيطان. لذا نكون في حكم ((ثم آمنوا ثم كفروا)) نرجو من الله السلامة.
فسأله وهل عندك لجام لي؟ فكانت هذه زلة من أبي يزيد فأجابه الشيطان على الفور: لا أحتاج إلى لجام لأركبك يا أبا يزيد لأنك سهل علي! فلعنه أبو يزيد وتركه. فجاء في اليوم التالي وكان المطر أشد. ومرة طافت مكة المكرمة بالماء من المطر الغزير بعد\ قحط طويل، كنا في الحج مع مولانا الشيخ فدعا بعد الشوط الرابع لأنه كان قحطا فدعا دعاء استسقاء طويل وعجيب، وبعد حين قصير جاء السحاب ونزل المطر حتى فاض صحن المسجد. رأيت هذا بعيني.
فجاء أبو يزيد ورأى شيخا كبير السن يريد مساعدة. فأسعفه وحمله أبو يزيد ثم نزل عنه هذا الشخص وخاطبه: ألم أقل لك يا أبا يزيد إني لا أحتاج إلى لجام لأركبك؟ لحظة غفلة جعلته في هذا. فالأولياء في مراقبة مستمرة لكن غير معصومين.
وإنما هذه مقدمة ليس عبارة عن كتب وأوراق لكن أذواق. هذا الذي يريده مولانا منا لصعوبة فهم الموضوع علينا. ولنعلم أن هناك رجال مأذونون بحمل هذه القوى لمنفعة البشرية. ولنا متابعة. غفر الله لنا ومن الله التوفيق بحرمة الحبيب بحرمة الفاتحة.