بسم الله الرحمن الرحيم
قوة اسم الله، "القهار" في محو الصفات السبعية
29 أبريل 2011
(مولانا والحاضرون يقفون)، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أعظم وأجل وأكبر الأكبر. سبحانك يا رب! سبحانك يا رب! (مولانا يجلس وكذلك الحاضرون). مرحباً شيخ هشام أفندي!
مولانا الشيخ هشام: مرحباً سيدي، نحن على أعتابكم، إن شاء الله!
مولانا الشيخ ناظم: ونصلي ونسلم على سيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، (مولانا يقف تعظيماً واحتراما للنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الحاضرون). زده يا ربي عزاً وشرفاً ونوراً وسروراً ورضواناً وسلطاناً. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.
طريقتنا الصحبة والخير في الجمعية. الصحبة هي الطريقة المثلى لتربية بني آدم على الآداب الجميلة. خلق بن آدم وفيه صفات سبعية، أي أنه جُبل على طباع الوحوش. وربما لا يوجد في العالم أكثر شراسة منه ووحشية. ولذلك قالت الملائكة عليهم السلام، لربنا جل وعلا، {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، (البقرة:30). فرد عليهم ربنا جل وعلا، {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}، (البقرة:30).
مدد يا رجال الله! .. يمكنك أن تلاحظ من كلام الملائكة، أن البشر في الظاهر، لهم طباع عدوانية وشرسة. فالأرض التي خُلق منها، فيها العديد من العناصر، منها التراب ومنها الصخور، وغيرها. كما يوجد فيها أيضاً الأحجار الكريمة .. ولكن سبحان الله، كان رد ربنا جل وعلا، "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ"! لقد أراد ربنا جل وعلا أن يشيد سلطنة الملكوت على وجه الأرض .. عجايب!!
تحت الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، على ساكنها أفضل السلام وأتم التسليم، يوجد أحجار سوداء صلبة، لو ضربتها بالمطرقة تخرج منها شرارة. لقد وضعت تلك الحجارة في أساس المبنى، ثم جاءوا بأحجار أقل صلابة ووضعوها فوق الأساس. وكلما ارتفعوا بالمبنى وضعوا حجارة أقل صلابة. لأن هذه الأحجار الصلبة التي وضعت في الأساس، إذا وُضعت في القمة فلن يتحمل وسينهار المبنى. وهكذا أيضاً سلطنة الملكوت. {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ}، (البقرة:29). خليفة معناها سلطان من عالم الملكوت .. عجايب!!
خلق الله جل وعلا الإنسان وفي طبيعته خشونة وصلابة. يسفك الدماء ويفسد في الظاهر. ولكن الذي خلقه أعلم به، وبسر اختياره خليفة له، جل وعلا في الأرض. لا إله إلا الله .. هووو! .. فابن آدم، إذا ظهرت عليه تجليات من عالم الجبروت يصبح جباراً. ثم أن رب العزة اختار ابن آدم في سالف القدم أن يكون خليفة له في الأرض .. ذلك بحر يا شيخ هشام أفندي .. ما هو سالف القدم؟ ومتى بدأ؟ سالف القدم، أي في قديم الزمان. إن الله سبحانه وتعالى قديم أزلي. والقدم صفة الحق جل وعلا .. أراد الله جل وعلا في سالف القدم أن يكون خليفته في الأرض من جنس لم يسبق له مثيل من قبل. وهو العليم بكنه هذا المخلوق، العارف بصفاته. فهو الخلاق العظيم جل وعلا.
ونحن عبيد لله، أُمرنا أن نعرف شيئاً عن كنه حقيقتنا. وحقيقة تلك الشدة في طبيعة ابن آدم، إنما هي مكتسبة من عالم الجبروت. وهذه الحقيقة تظهر على الإنسان في عالم الدنيا؛ عالم الفناء. والله سبحانه وتعالى باسمه "القهار" يمحو تلك الصفة الموجودة في ابن آدم من الشدة والشراسة ويلطفه بالشرائع، التي نزلت من السماء وبالأنبياء عليهم السلام، ويربي بها نفسه حتى يكون مهيئاً ومؤهلاً، لأن يكسوه بحقيقة الخلافة. وما يحصل في العالم من الشدة والعدوانية بين بني آدم، إنما هي تربية للنفوس وتحضير لهم، كي يصلوا إلى ذلك المقام، الذي أعده ربنا جل وعلا لهم، ألا وهي الخلافة.
"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ". أية أرض وأية خليفة؟ كل شيء عند ربنا قديم لا يسبقه عدم. وإذا أردنا أن ندخل في ذلك الوقت، فإننا ندخل في بحور أو محيطات بين الأزل والأبد. وابن آدم، لا بد وأن يكون سرمدياً، لكي يعطى له تلك العوالم. وإذا لم يصبح سرمدياً، فلن يكون خليفة .. الله أكبر!
ما يحصل في العالم من حوادث، فالله جل وعلا يرى وهو أعلم بها، وكذلك رسوله صلوات الله وسلامه عليه. ثم شيئاً فشيئاً، وبموجب حكمة الله جل وعلا، تنجلي تلك الحقائق التي أودعها في خليفته. سبحان الله! يوجد حديث قدسي هشام أفندي، له ارتباط بكلامنا هذا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "إن الله تعالى قال، من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي أحب إلي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه". رواه البخاري.
وهذا التكريم الذي أعطي لابن آدم إنما هو بموجب خلافته. وأن تكون "خليفة لله"، معناه، أن تغرق في بحر الوحدانية وتذوب فيه كلياً. وهذا معنى قوله، عليه الصلاة والسلام، "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه". وكذلك في حديث قدسي آخر يقول، "عبدي أطعني أجعلك ربانياً تقول للشيء كن فيكون". مثل هذا العبد له القدرة على قذف الكرة الأرضية هكذا (مولانا يقوم بحركة كمن يقذف شيئاً)، ويخرجها من مسارها ..
وقد قلت في صحبة سابقة، "لا تقولوا أنا وهابي، أنا سلفي، أنا صوفي، بل قولوا أنا رباني"، {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}.
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}، (آل عمران:79).
وهذا مطلبنا، أن نصل إلى ذاك المقام. وهو مقام ليس فوقه مقام. تتلاشى هوية العبد فيه، ويصبح فناءً في الله. وبعد مقام الفناء يرتقي العبد إلى مقام البقاء بالله، فيصبح باقياً بالله. فيظهر له حقيقة التوحيد. انتهى.
والآن نحن نعيش في هذه الدنيا تلك المدة القصيرة، التي أراد الله لنا أن نحياها. أو كما تقول القصيدة:
"نحن والخلائق كلنا عبيد والإله فينا يفعل ما يريد"
فكل شيء في الوجود من حركات وسكنات، بإرادته جل وعلا وفي علمه. لقد وصل بنا المطاف أن أصبحنا قريبين جداً من يوم القيامة. وبين يدي القيامة أحداث وفتن شديدة بين الناس، لم تظهر مثلها من قبل، وذلك لتصقيل نفوس البشرية وتهيئتها، كما يريد ربنا ويحب. فربنا جل وعلا يريد أن يبني بناء جديداً، يكون قوياً صلباً بما فيه الكفاية، ألا وهو ابن آدم. فيصبح قادراً على تحمل ذلك الرداء الذي أُلبس به من عالم الملكوت. وهذا معنى خطابه جل وعلا، "إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ".
كل شيء جائز هذه الأيام. وما أراد الله حصوله لا بد من حصوله. فلا تحكم في ما تراه في الظاهر. {فَالحُكْمُ لله العَلِيِّ الكَبِيرِ}، (غافر:12). في أيامنا هذه، ظهرت أحداث وفتن، قد أنبأنا بها الأنبياء عليهم السلام. وقد أخبرونا كيف نتعامل مع هذه الأحداث بالحكمة والأدب. ونذكر منها ما حصل مع النبي عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة المكرمة، (مولانا يقف تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحاضرون) إذ قام فيهم فقال، "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن"!
سبحان الله! .. نملة تنصح بني آدم، {حَتَّى إِذاَ أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قََالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلوُا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}، (النمل، 18).
نحن في عصر الفتن. ونرى في هذه الأيام التظاهرات، التي اجتاحت شوارع العالم العربي والإسلامي. هذه التظاهرات غير شرعية، ولم يأمر بها الشريعة الإسلامية، بل فيها تهلكة للنفس. فمن أراد أن يكون في أمان، فليلزم بيته. ففي البيت يوجد أمن وأمان؛ " ادْخُلوُا مَسَاكِنَكُمْ"! سبحان الله هشام أفندي .. {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}، (آل عمرا:97) .. الله أكبر! إن الله جل وعلا جعل لكل إنسان بيتاً يأوي إليه.
وإذا كان لديكم مطلب من الحكومة، فأظهروا لها عدم رضاكم عنها، عن طريق العصيان المدني. ثم ادخلوا بيوتكم وأغلقوا عليكم الأبواب. فماذا سيفعل الحكومة حينئذ؟ سيضطر إلى تغيير سياسته وأحكامه.
والله جل وعلا أخبر نبيه عليه الصلاة والسلام، في القرآن الكريم، {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، (الرعد:11). أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "كما تكونوا يُولى عليكم". أصلحوا أنفسكم أولاً، ينصلح حال ولاة أموركم! وإذا أردتم أن تعبروا عن استيائكم من الحكومات الموجودة، فلا تستعملوا أساليب أهل الكفر، وتخرجوا إلى الشوارع وتصرخوا بأعلى أصواتكم، "ارحل .. ارحل!". بل ادخلوا المساجد لإقامة شعائر صلاة الجمعة، ثم ارفعوا أياديكم إلى السماء ثم ادعوا، "يا محول الأحوال حول حالنا إلى أحسن حال!" وقد قال عليه الصلاة والسلام، "إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه"، رواه مسلم. انتهى. ومن خالف هذا الأمر فسوف يلقى جزاءه. وهذا أمر مهم. وقد أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام كل ما سيحصل إلى قيام الساعة. ومنها ما يجري اليوم من تدافق الناس في الطرقات، وهم يصرخون مثل الوحوش في البراري .. لا يوجد شيء من هذا القبيل في الإسلام. الإسلام كله آداب.
ومن وجهة أخرى، أستعيذ بالله، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُم مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال:60). فهل أعددتم القوة اللازمة لمواجهة تلك الحكومات؟ إذا كان لا يوجد لديكم قوة، فلماذا تخرجون؟ هل تظنون أنه بصراخكم وعويلكم تتغلبون عليهم؟ أبداً! فالحكومات لديها قوة وأنتم لا تملكون تلك القوة. انتظروا حتى يحق الحق. وقولوا، "تبنا ورجعنا يا ربنا، اغفر لنا وارحمنا وأصلح شأننا وشأن أمرائنا. قلوب العباد بيدك يا ربنا، ارحم ضعفنا وارحم ذلنا واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، ولّ علينا خيارنا. ومن الله التوفيق. الفاتحة.
لغتي في العربية ضعيفة؛ "عربيات قليلة". يجب أن تفكروا جيداً، كي تفهموا شيئاً مما أقول. هو، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، (البروج:16). أراد أن يظهر بعض الحقائق على لسان واحد من أضعف العباد، الذي لغته في العربية ضعيفة. ربما إذا أتاكم خطاب من هذا النوع، من قِبل أحد علمائكم تقولوا، "جمعه من الكتب". أما أنا، فـ"عربيات قليل".
مولانا الشيخ هشام: تلك هي المعجزة سيدي! .. تقوم بتفسير ما بين الأزل والأبد وسالف القدم، مولانا هذا تفسير ضخم، ما شاء الله!
مولانا الشيخ ناظم: سبحان الله! إن الله يلقي الحكمة على لسان الواعظين، بقدر همم المستمعين. هشام أفندي عندما يأتي يسحب مني المعلومات، كما تسحب آلة الشفط. وأنا لا أدري من أين تأتي، ولكن كان هذا من أجله، ولمن يريد أن يفهم. أنا لا أحدثكم من بنات أفكاري بل أبلغكم به ما يريده ربنا جل وعلا. فإن الواردات إذا نزلت على قلبي، فعلي أن أحدثكم بها. ومن الله التوفيق. يا رب عفوك ورضاك. الفاتحة.
(مولانا والشيخ هشام أفندي يصلون ركعتي شكر لله).