Go to media page Available in: English   Arabic   Turkish  

أتركوا الطعام البائت واطلبوا الطري اليانع

مولانا الشيخ محمد ناظم الحقاني سلطان الأولياء

ليفكة قبرص 31 يوليو 2010

(مولانا الشيخ يقف)، دستور يا سيدي. مدد، مدد، مدد مدد، مدد مدد يا صاحب الإمداد.

لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليه صلاة الله وسلامه. ثم الصلاة والسلام على جميع الأنبياء والأولياء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اجعلنا يا ربي تحت لواء حبيبك المصطفى يوم الحشر، آمين. (مولانا يجلس).

ثم السلام عليك يا صاحب الوقت، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والأولياء والمتصرفين في الدنيا. هؤلاء هم عباد مكرمون، قد نالوا قطرة عزة ومجد من محيطات المجد السماوية. طوبى لهم! طوبى لهم! ونحن نسعى لاقتفاء آثارهم، ونكون من أتباعهم. أيها البشر، عليكم أن تتبعوا أحداً منهم في هذه الدنيا!

طوبى للعباد الذين يتبعون رجال الله! هؤلاء هم المكرمين عند رب السموات! ثم السلام عليكم أيها الحاضرين! حاولوا أن تفتحوا مدارك فهمكم. فكل يوم يأتي بشيء جديد، يحمل إلى الناس أخباراً سارة وبشائر ومُتعا لا متناهية ومستمرة على الدوام.

تعالوا وانهلوا من تلك المحيطات التي تبعث في قلوبكم البهجة والسرور هنا، في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة. وإلا سيكون مصيركم مثل ذلك الرجل الذي يكدّ ويعمل فيعطش ويأتي إلى النبع ليروي عطشه إلا أنه يجده قد غار، فيجلس عنده منتظراً لعل وعسى أن ينبع منه بعض الماء، ولكن النبع غار ولا يخرج منه الماء أبداً. وهذا هو المثل الذي يُضرب به للناس في هذا العصر. يُهلكون أنفسهم لأجل شيء من متاع هذه الحياة الدنيا، وعندما يحظون أخيراً بهذا الشيء يتبيّن لهم أنه لا شيء؛ لا قيمة له. ويذهب تعبهم سدىً، ولا ينالون جزاءً لتعبهم رفعة وعلواً وإنما ذلاً وانكساراً. في البداية، يتراءى لهم أن شأنهم يعلو بكدّهم وعملهم، إلا أنه سرعان ما يقعون عندما تصل طاقة أجسادهم إلى الزوال. أما هؤلاء الذين كان سعيهم من أجل وجودهم السماوي أو الروحي، فلا يقعون أبداً. فهؤلاء عندما يظمؤون، فكل ما حولهم يتحول إلى نبع سماوي ينهلون منه حتى يرتووا ويهنئوا.

لذا، يا مشاهدينا، تعالوا واستمعوا! فنحن لا نتكلم مثلما يتكلم الخطباء العاديين، أبداً! كلامنا يختلف عن كلامهم. أنتم تسعون جاهدين للحصول على طعام بائت، ولكن رجال الله يرسلون إلينا دائماً طعاماً طازجاً لتغذية أرواحنا، ولتغذية أجسامنا المادية أيضاً. لذلك، هؤلاء الذين يسعون خلف الربانيين، ينالون من الأشياء الجديدة والطرية التي يأتي بها هؤلاء الربانيين.

يا علماء السلفية، مرحباً! هل تعرفون القرآن الكريم؟ هل تفهمونه؟ ماذا يقول الله سبحانه وتعالى حول هذا الموضوع، الذي يجعلون عبداً ضعيفاً يجلس ويحدثكم ويحدث الحاضرين حوله بقوله، "أيها الناس! عليكم أن تطلبوا يومياً الأشياء الطرية والطعام الطازج، وليس الطعام البائت"؟

كل الناس يسعون لتحصيل القوت البائت. كل همهم هو هذا. وهم غير مكترثين بالحصول على الطعام الطازج! يجعلونني أوجّه سؤالاً لجماعتنا السلفية؛ لعلمائنا السلفيين، ولهؤلاء الوهابيين، أصحاب العقول الفارغة، هل تفهمون القرآن الكريم؟ إن كنتم تفهمون، فقد وُضِع أمامي موضوعاً لأتحدث عنه، ربما سيدهشكم بعض الشيء. أنتم تتلون القرآن الكريم. وهم يقولون، بأنهم يفهمون القرآن الكريم. ماذا يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران؟ أخبروني، ماذا فهمتم عن قصة سيدنا زكريا مع السيدة مريم عليهما السلام؟ (مولانا يقف)

{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذاَ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، (آل عمران، 37). (مولانا يجلس).

سبحان الله، ! كلما دخل زكريا محراب مريم عليهما السلام وجد عندها رزقاً جديداً وطرياً. رزقاً مع التنوين للتعظيم! يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن مريم عليها السلام كانت لا تأكل طعاماً بائتاً، أبداً! وإنما كانت دائماً تأكل طعاماً طازجاً.

كلما دخل عندها زكريا عليه السلام يرى أمامها طعاماً طازجاً، فيسألها، "يا مريم، من أين لكِ هذا؟" فتجيب، "هو من عند الله!" ... من أين لكِ هذا الطعام الطازج الذي ينعش الأبدان؟ قالت:{هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}!

كانت تُطعَم بالطازج الجديد. أي أنها كانت تُطعم، ليس فقط قوتاً مادياً لكيانها المادي بل أيضاً لكيانها الحقيقي. فقد كان كيانها الحقيقي أو الروحي ينبعث من جديد في كل لحظة.

لماذا أنتم لا تفهمون؟ لماذا تركضون خلف الطعام البائت؟ ورب السموات هو "القادر المقتدر"! لماذا لا تطلبون بلوغ مثل هذا الإكرام السماوي، الذي أُتيح لسيدتنا مريم عليها السلام؟ ولماذا يخبرنا الله سبحانه وتعالى هذا في كتابه العزيز؟ عليكم أن تفهموا! القرآن الكريم لم ينزل ليسرد لنا القصص للتسلية! وإنما يتوجب علينا استخلاص الحِكَم الربانية من هذه القصص.

لماذا أخبرنا الله سبحانه وتعالى بهذه الآية الكريمة،{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذاَ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}! أنتم تعرفون القرآن الكريم؟ أنتم السلف الصالح، إيه؟ كان السلف الصالح، لهم مرونة وقدرة لاستيعاب الأشياء الجديدة. وهذا فتح جديد، ليعرف المؤمنون وجميع الناس، بأن الله هو "القادر المقتدر"! له القدرة على أن يرزق عباده في كل حين بأشياء جديدة. وهذا مقام السيدة مريم عليها السلام. فقد كان يأتيها رزقها من غير أن تطلب، {إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

فالسيدة مريم لم تكن تطلب مائدة من السماء، كما فعل الحواريون. فقد طلبوا من السيد المسيح، عليه السلام، أن ينَزِّل عليهم ربهم مائدة من السماء. أستعيذ بالله.

{وَإِذْ قَالَ الحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قَالوُا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطمَئِنَّ قُلوُبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِين. قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، (المائدة، 112ـ 114).

سبحان الله العلي العظيم! سؤالهم هذا يدل على أن الحواريين لم يفهموا مقام سيدنا عيسى عليه السلام. أبداً لم يفهموه! يسألون،{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}! فسيدتنا مريم لم تكن تطلب. بل كان رزقها يأتيها طازجاً طرياًّ من غير أن تطلب. فالطازج الطري يبعث للناس دائماً، الانتعاش الذي لا ينتهي. فلماذا لا تنهجون هذا النهج؟ فما نحن هنا إلا عباد ضعفاء. ولكن لو طُلب مني تكرار كلامي مائة مرة، فسيكون كلامي كل مرة من تلك المائة مرة جديداً ومنعشاً!

خذوا كلامنا هذا وافهموه، يا علماء السلفية ويا دكاترة الشريعة ويا علماء الأزهر الشريف. وأما الوهابية، فإن آلة الإدراك عندهم معطلة، ومستواهم مستوى البهائم! ولعل البهائم تدرك أفضل منهم. لأن هؤلاء "الوهابية" تخرجوا من مدرسة الشيطان.

ما المقصود بهذه الآيات الكريمة، عن سيدتنا مريم وسيدنا زكريا الذي هو نبي مرسل؟ وكان يأتي لزيارة السيدة مريم. وكلما دخل محرابها وجد أمامها فواكه طازجة لم تكن موجودة في ذلك الوقت من السنة. كان يرى عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف!

لماذا يخبرنا الله سبحانه وتعالى بهذا؟ هل للتسلية أم أن هناك درساً للناس يمكننا أن نستخرجه؟ "أيها الناس! أتركوا ما مضى واطلبوا دائماً الجديد! لأن الله سبحانه وتعالى هو "المبديء المعيد"، وهو "الخلاق العظيم"، و"الرزاق المطلق". فهو لا يخزن الأشياء ومن ثَم يستخرجها. كما يفعلون في السوق، يضعون الفواكه والخضروات وينادون، "أنظروا طازجة وطرية!"، وهي ليست طرية وإنما استُخرجت من الثلاجات الكبيرة.

أطلبوا الطازج الطري دوما، تنالوا رضا الله سبحانه وتعالى. ويقول المثل العربي، "كل جديد لذيذ"، ولا يقال، "كل بائت لذيذ"، لا أبداً! ففي كل جديد لذة. والرزق الذي يأتي لسيدتنا مريم عليها السلام، كان من ثمار الجنة، ولا يوجد في الجنة طعام بائت ولا أي شيء قديم. ولا يشبه ما نعرفه عن المطاعم أبداً! وكلما طلبوا في الجنة شيئاً، أتاهم على الفور بـ "كن فيكون". فالجديد يبعث الانتعاش إلى النفوس، كما أن طعمه أحسن وألذ. كلما ذاقوا ثمرة من ثمار الجنة وجدوها ألذ وأحلى من التي قبلها.

القرآن الكريم عبارة عن محيطات من العلوم، ليتعلم منه الناس. فلقد قرأتُ هذه الآيات عدة مرات ولأول مرة أفهمها بهذه الطريقة؛ بتلك المعاني الجديدة التي منحوني إياه لأجل أن أحدثكم بها لتفهموها. لا تقبلوا بالطعام القديم البائت، فبوسعكم أن تأخذوا من القرآن الكريم كل شيء طرياً يانعاً، وهذا يبعث إلى نفوسكم المزيد من المتعة والسرور

أيها الناس، تعالوا واستمعوا! هم يجعلونني أصرخ على نفسي وأعظها قبل أن أعظكم!

{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً}، وهذا محيط بذاته. كلما دخل زكريا على مريم عليهما السلام، وجد عندها بعض الثمار. وكان سيدنا زكريا يعلم أن هذه تأتي إليها من السماء. ولا تظنن أن الرزق الذي يأتيها اليوم هو نفسه الذي أتاها البارحة. هناك عدد لا يحصى من أصناف الطعام. فنحن لا نعرف أن نعُدَّ أكثر من أربعين إلى مائة صنف من الأطعمة. وما يأتي من رزق من عند الله، من حضرة القدس لا يعرفه أحد! رزق طري وجديد، أشياء جديدة، أعداد جديدة من الثمار. ربما تستطيع أن تعُدَّ مائة نوع من ثمار الدنيا. ولكن إياك أن تعتقد بأن ثمار الحضرة الإلهية ستنتهي عند عدد الأربعين أو الخمسين أو المائة أو الألف أو المليون أو البليون، أبداً! إنما هي أعداد لا حصر لها. هو الله، جلَّ جلاله وجلت عظمته!! (مولانا يقف تعظيماً لله سبحانه وتعالى)، {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ}! (مولانا يجلس). يحاولون أن يتصوروا الله سبحانه وتعالى على حسب مفاهيمهم، حاشا! الله أكبر، الله أكبر!

لذلك، أطلبوا ما هو جديد ويانع! بعض الثمار من أجل تغذية أجسامنا. ولكن هناك أنواع لا حصر لها من الثمار لتغذية أرواحنا! وما كل شيء إلا بين لفظتي: كن فيكون! .. كن فيكون! .. كن فيكون!!!

عندما يقيم السلطان وليمة مثلاً، فإنه سيعدُّ مائدة تليق بكرمه وإمكانياته، وفي الغد سيعد مائدة أخرى مختلفاً عما أعده اليوم، والمائدة الثالثة ستختلف حتماً عن الأولى والثانية وهكذا. فهل يا تُرى ستكون ولائم الحضرة الإلهية نفس الشيء؟

أيها العلماء! نحن لسنا بصدد أن نتحدث عما يعدّه الله سبحانه وتعالى لعباده من وليمة كل يوم جمعة في حظيرة القدس. فليس لي أن أفتح مثل هذا الموضوع وأتحدث عنه أكثر من ذلك. وليس لأحد أن يشرح حقيقة ما يُعَدُّ من وليمة ربانية في حظيرة القدس! فكل جمعة يأتي الناس إليها، فهل يا تُرى تُقام لهم نفس المائدة؛ نفس الوليمة؟ {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ}!

أيها الناس! تعالوا واستمعوا! علينا أن نسمع ونتعلم! علينا أن نهجر هذه الدنيا وبساطتها؛ فطعامها بسيط ولذتها بسيطة. فاترك هذه واسْعَ إلى الحصول على ما أُعِدَّ لكم في حظيرة القدس. غفر الله لنا! توبة يا ربي، توبة يا ربي.

لا تحقدوا علي، فأنا لا أعرف شيئاً، وما أقول إلا ما قاموا بتكليفي به. وما أقول إلا الحق. ففكروا في الأمر، كي تنبعث فيكم وفي كيانكم الحقيقي روح التجديد، وتنالوا أشياء لم تنالوها من قبل! غفر الله لنا بحرمة خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلم.

الفاتحة.

(38 دقيقة)، ما شاء الله، سبحان الله العلي العظيم، توبة يا ربي!

(788 مشاهدون)، ما شاء الله! ما شاء الله! أيها المشاهدين نحن سعداء ونسأل الله العظيم أن يجعل كل الناس سعداء. فنحن لا نرضى لأحد نار جهنم! نسأل الله سبحانه وتعالى أن يدخل الجميع الجنة وبساتين الجنة!

(مولانا يصلي ركعتي صلاة الشكر، ثم يتحدث مع الشيخ هشام):

- مرحباً يا شيخ هشام أفندي.

- لا أحد يمتدح الرسول صلى الله عليه وسلم مثلك سيدي! كما قرأتم اليوم في المولد، أنه وضع قدمه الشريفة على العرش، فهذا شيء عظيم! ومن أهل السنة والجماعة من يقول بأن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى عرش. ولكن كلامك يعلو على كلامهم.

- "هو قائم بذاته"، ولا يحتاج إلى عرش!

- بسيط على اللسان ولكنه بليغ.

- توبة يا ربي، توبة يا ربي!

UA-984942-2