بعد صلاة الفجر في رمضان 1431 الموافق 20 آب 2010
الحمد لله! وصلنا الله تعالى بقوم أيدهم بتأييد سماوي. نحن الأتباع والمريدون يجب على كل أحد منا – إن أراد الوصول إلى الهدف – عليه أن يعلم أين يضع خطاه. هذا الطريق طريق أهل السنة والجماعة. يحتاج إلى نية زكية طاهرة صادقة مخلصة ليصحح خطاه في سفره.
اليوم الناس يرتبطون بعدد كبير من العلماء. ويدعون حقيقة الإسلام وراءهم وهي مقام الإحسان لا يتكلمون عنه ولا يبحثون. اكتساب القيم السامية وتزكية النفس ليصل إلى هدف وما قدّر له.
يقول أولياء الله الهدف الوصول إلى محبة الله ورسوله. لكن للأسف هو كالأنبوب المفخوت، لا يصل الماء لأن الوصل مخروق. فقدوا به الأصول لأن وصلهم مخروم. والأصول: مقام الإحسان.
يقول أولياء الله الحذر الحذر من ذاك الارتباط. قال القشيري أحد كبار علماء الصوفية: ويقبح بالمريد الانتساب إلى مذهب من ليس من أهل هذا الطريق. ليس من طريق أهل السنة والجماعة وأهل البيت والتصوف. فالانتساب إليه زيغ.
قال: اليوم الناس على طريقان. هذا من 700 سنة. إما أرباب النقل والأثر
والهوامش. لا يعتمدون على الواردات إنما فقط ما ينقلون من كتب الآخرين. وإما أصحاب عقول وفكر: الأكاديميون والفلاسفة. والله لا يُعرف بالتفكير لكن بالقلب. ويقولون: هذا إصلاح للإسلام؛ والإسلام غني من الإصلاح إنما الناس بحاجة إلى إصلاح! فالأولون أهل نقل الهوامش واللصق، والثانيون أهل فكر وعقل، إصلاحيون كما يقال، كالمودودي وسيد قطب وأضرابهم.
هناك ثوابت ومتغيرات. لكن المتغيرات ليست بالنقل أو بالتفكير إنما بالقلب، وارد من عند الله ورسوله. لذا مولانا الرومي أتى بكثير من المتغيرات أنزلها على ثوابت. يُعرف الله تعالى بأسمائه الحسنى فتجلَّى بمتغيرات كالخلق الذي يلبسه الله تعالى بأسمائه الحسنى. كتجلي إسم الله الأعظم ((الله)) في إسم ((عبد الله)): وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا. أي أنزل عليه الإسم الجامع وألبسه إياه أي للنبي صلى الله عليه وسلم. فلا يكون في عباده أعلى شأنا منه، لأنه تحقق بإسم الله الأعظم. لذا استطاع أن يذهب إلى الله ليلة الإسراء والمعراج وإلا اصطلم ولم يقدر أن يعود.
فذاك الإسم كان للرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه في الأولياء العظام، سميناهم وسنعود إلى تفصيلهم. فالأصول الثوابت قد تجَلَّى بمتغيرات. قال تعالى وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا. الصراط المستقيم أصل ثابت لا يتغير. لكن قد يتجلى تجليات مختلفات: كالأوراد والمشايخ والأذكار المختلفة مثلا. لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لأمطرنا عليهم ماء غزيرا. يقولون اليوم أنهم يعلمون الآن أين يأتي المطر ومتى ينزل. حقيقة المطر لا تتغير وتبخر الماء لا يتغير. لكن اتجاه الماء أين يذهب؟ فهذا يتغير. وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي تهيؤرا للتبخر حتى يوجهكم أولياء الله في هذا الطريق. إذاً عليك بالعرق والنصب في الطريق! لن تحمل على عرش بل عليك بالمجاهدة. أنت مثلا تحب أكل البطيخ فيمنعونك منه. وهذا الثاني نؤوم فيمنعونه من النوم.
قال أحد كبار الأولياء لمن هو أعظم منه – لكن لم يكن يعلمه – ويريد أن يمتحنه – الأولياء يحبون أن يمتحنوا بعضهم بعضا – وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ قال تريد أن تراه؟ إذا سألونا نقول فوراً نعم كيف لا! كما سأل سيدنا موسى عليه السلام أن يرى ربه ولم يستطع. فأجاب لا قال لمَ؟ قال: أنزّه ذاك الجمال عن نظر مثلي! أي لست أهلا لأراه بهتين العينين النجستين. أنقدر أن نقول هذا؟
سألوه متى ترتاح؟ كالمساج اليوم... قال ما دمت له ذاكرا. فإن غفلت عنه لا أجد راحة. انظروا الفرق بينهم وبيننا إذا علموا متغيراتهم. كسرعة الضوء لا تتغير لكن بيننا وبين القمر متغيرات في الجو فسرعة ذاك الضياء أخف. فما بالكم بنجمة هي أبعد بكثير أو الشمس أو هذا المجرة بجميع نجمها. والمسافة إلى الله تعالى أهول وأعظم. وبيننا وبينه تعالى متغيرات لا يحصر عددها! لذا تحتاج إلى دليل يرشدك بالأوراد والرياضات. قنديل ذات شمع ضئيل لا يتحمل طاقة عظيمة، سيحترق. فالشيخ يعرف ما تتحمله يعطيك المتغير المناسب لك. لذا قال تعالى: لو استقاموا على الطريقة، أنزلنا على قلوبهم أمطار الرحمة التى لا حصر لمددها.
عليك بالحركة في الطريقة بالأوراد ثم يأتي مطر الله وعنايته، ما يسميه الأولياء ريح الصِّبا. يأتي من السماء ليدفعك إلى الأمام. ولو يبطأ أمام التل لكن إذا جاوزه يسرع. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {6}. لا بد من العسر لكن لازم الطريق الصحيح، يسعفك الله بسحاب الرحمة وسرعان ما تصل الى الحضرة الربانية.
اليوم هم منشغلون بالنقل القيل والقال. لكن كله متغيرات. هناك أولياء الله ألهمهم الله من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم. إذ قال صلى الله عليه وسلم تَرَكْتُ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي [مستدرك الحاكم ومسند البزار- صحيح] وقال أيضا: تَرَكْتُ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي [صحيح مسلم وسنن الترمذي]. فافهموا المعادلتين: العترة = السنة وسنتي عترتي. انظروها في أهل بيتي؛ أي بالنسب بالدم والنسب المعنوي أيضا كسلمان الفارسي. إذ قال صلى الله عليه وسلم سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلِ الْبَيْتِ [أخرجه ابن سعد في طبقاته والطبري في التفسير والتاريخ وأصحاب السير والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان والحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل وأبو نعيم في معرفة الصحابة وقيل: الصحيح وقفه على سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه].
إن لم تفهم من طريق الأولياء لن تفهم وستقول: يتكلمون بعلم الغيوب! لكن بالنسبة لهم هو علم الشهود. يمنعك بعض الناس عن اتّباعهم بل اتّبعهم، اتّبع شيوخ هذه الطائفة لتخرج من هذا الدهليز. وإلا فأنت حر. أولياء الله كلهم على طريق الحق ولو افترقت أساليبهم. أما من خالفهم ليسوا أهل عقل مهما تسموا بألقابهم. العقلاء الحقيقيون هم الأولياء. ولن تُصلح المسلمين بتياراتك المخترعة المادية. عليك بطريق روحاني وسطي يقدر الجميع أن يتّبعه. لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه أن أفضل طريق للوصول لهذا: ذكر الله وما والاه من أذكار أسماء الله الحسنى. وأعلى لقب: عبد الله. وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ...
غفر الله لنا وطهّرنا بقدرته بحرمة الحبيب بحرمة الفاتحة.
فاحذروا هذا الآية وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا. سقانا الله برحمة أسمائه الحسنى بحرمة الحبيب بحرمة الفاتحة.