نويت الأربعين، نويت الإعتكاف، نويت الخلوة، نويت الرياضة، نويت العزلة، نويت السلوك لله تعالى في هذا المسجد. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.
أنتم مستعدون؟
من لا نظارات له لا يرى ومن له يرى. فالنظارات مهمة لفاقد النظر الكامل. وفاقد النظر الكامل على درجات من الضعف في البصر، بمعنى أنك تحتاج دليلا يدلك على الطريق. لذا قال أبو يزيد البسطامي - وكان من أعظم أولياء الله – ((من ليس له إمام فإمامه الشيطان)) وفي رواية أخرى: ((من لا شيخ له فشيخه الشيطان)).
أولياء الله نالوا ما نالوا ليس لقوة عقولهم أو كثرة علمهم بل بإرشاد دليلهم. مهم جدا أن يفهم هذا. ليس سهلا لك أن تصل بالمطالعة والدراسة بل باتباعك مرشدك. والله تعالى أرشد الناس بالوسائل. أرشد الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد الناس بالصحابة. قال عنهم صلى الله عليه وسلم: ((بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ)) [رواه عبد بن حميد في مسنده والدارقطني في فضائل الصحابة والقضاعي في مسند الشهاب والبيهقي في المدخل والبزار في المسند من طرق ضعيفة وحسّنه ابن عبد البر والصغاني واللكنوي وغيرهم.]
وضرب المثل بأحد أهم الأئمة المتَّبعين في الإسلام – الإمام الشافعي – وكان الإمام أحمد تلميذه ثم استقل بمذهبه بعد وفاة أستاذه. والأئمة الأربعة جميعا كانوا من كبار العلماء. ظهر أحد المجاذيب من أولياء الله يوما في مجلس الشافعي وكان الشافعي يحترمه كثيرا. سمعت من مولانا الشيخ عبد الله قدس سره أن الماء المستعمل في الوضوء كانوا يحتفظونه ومعروف أن هذا الماء ميت لا يصلح لشيء بعد استعماله. فقال مولانا الشيخ قدس سره إن الإمام الشافعي لما كان يأتي هذا الولي مجلسه كان الإمام يشرب ماء وضوئه تبركا ولو لا يصلح استعماله في الشرع. واسم هذا الولي: شيبان الراعي. وكان أميا. والله تعالى لا ينظر أمي أم غير أمي. إذا وهب وهب. وسنشرح مراتبهم إن شاء الله.
فأتى ذاك الولي وجالسهم فنظر الإمام أحمد إلى الشافعي وقال: أريد أن أنبّه هذا على نقصان علمه. ولم يسمّه تنقيصا له. أي عليه أن يتعلم ويكمل علمه، ليشتغل بتحصيل بعض هذا العلم. اليوم يطالبونك بورقة تدل على أنك عالم وإلا فأنت لا شيء! قال له الشافعي: مه! لا تفعل، سيهينك. قال: واجب علي أن أحذره من نقصان علمه. يقولون عليك بدكتوراه في الشريعة وهذا الولي ليس بدكتور هو ولي انتهى. وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى {13} إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي. الله يختار أولياءه وليس كل أحد ولي. فإذا اختار انتهى الأمر.
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنذِرْ {2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ {4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. أي ثياب؟ أهذه؟ أم غطاء القلب؟ ألا يقدر الله أن يجعل ضمن هذا الجسد ما جعله في الكعبة؟ الذي جعله فيها أسرار لا يعلمها أحد. كذلك ما أودعه قلب سيدنا محمد ص فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا أي أولياء الله شهداء على أتباعهم ثم الرسول يشهد عليهم أجمعين. فكما اختار الله يكون، ليس حسب علم مكتسب.
ما العلم اليوم؟ أروني الأزهر والشام والحجاز. إنما هو كتب، وقد تركوا العلم الروحاني. فقال الإمام الشافعي للإمام أحمد: لا تكن جسورا تندم، لكن أصرّ. وقال لشيبان: ما تقول لمن نسي صلاة من الخمس في يوم وليلة ما حكمه؟ الجواب يحتاج إلى علم لأن المذاب كثرت، مثلا الوهابية والسلفية يقولون الذي فات من الفرض لا يُقضى، انتهى وقته وفاتك. والجمهور أي المذاهب الأربعة على أنها تقضى. فقال: أفتني. فنظر إليه وضحك، فغضب الإمام أحمد لأنه كان يريد أن يفحمه أمام الشافعي. فأجاب: يا أحمد – ولم يكنّه بالإمام، إنما الإمام من جعله الله إماما – فاضطرب أحمد، قال: سؤالك كسؤال الولد، كيف تجترئ؟ ألا تستحي؟ يا أحمد! قلبٌ غفل عن الله ينبغي أن يؤدّب حتى لا يعود في غفلته. كيف تجسر أن تسأل من قلبه في ذكر الله كل لحظة تسأله عن الغفلة؟ إذا قلبك مع الله لا تفوتك صلاة والغافل ميت يقبر.
فغشي على أحمد إذ أصابته قوة شيبان في قلبه مثل سكتة قلبية. فقال الإمام الشافعي: دعوه. فكان حاله كالمصعَق، كما صعق سيدنا موسى عليه السلام. لا تتحدَّ الولي تصعق! وقال مولانا بعدما أفاق أحمد استرشد شيبان. إمامان يتبعان شيباناً وكان أميا. كذلك بشر الحافي في عصر أبي حنيفة. فكيف بالولي غير الأمي؟ يخرق السفينة. فلا تتحدى ولي الله وإلا يهزك وينكسك. ومولانا يهزك هزات في كل لحظة على كل حال، على الأقل ثلاث مرات في النهار والليلة، امتحانا للمريد هل يصبر أم لا؟ فلا تغضب واعلم أن شيخك ينظر إليك ليرى ماذا تفعل؟ ليس نكسات بمعنى التجارة لكن نكسات من طرف المريدين أم الأهل مثلا أو من المريد إلى المريد.
قال الشاعر: ليلي بوجهك مشرق أي يا شيخي أرى فيه ضياء الشمس على وجه الأرض. وظلامه في الناس ساري. والناس في سدف الظلام ونحن في ضوء النهار. كن مع شيخك تكن في الضياء. أما مع الناس ففي ظلام. انظر ما تضع في قلبك ومن تعاشر.
قيل مرضت رابعة العدوية فسألوها ما علتك؟ كانت في قبض. اليوم عندهم ممرض نفساني والممرض هو يحتاج إلى ممرض! فما الفائدة؟ اذهب إلى ولي يعلم حاجتك. قالت: عندي مصيبة كبيرة اليوم. قالوا أمثلك من الصالحات يشتكي هكذا؟ لماذا يقولون لا أولياء في النساء أو قلة وهن كثيرات جدا إبتداء بالصحابيات. المشكلة في عقل النساء من جفاء الرجال. قالت: نظرت إلى الجنة بقلبي مكاشفة. لكن ما رضيت لأنها أخطأت في مكانتها. قالت: فغار عليّ قلبي لأن قلبي لا يريد أي شريك مع الله. فكيف أنظر بقلبي إلى الجنة وواجب ألا أنظر إلا إلى الله؟ فهذا خطأ كبير.
أنظروا إلى حساسيتهم. لو زاح قلبهم شبرا – وليس هو غفلة بل كمال بالنسبة لنا – لكن بالنسبة لهم زلة. فغار قلبها على لسان الحق جل وعلا: كيف تنظري إلى الجنة وأنت معي في كل لحظة؟ لذا يؤثر: ((لي ساعة مع الله وساعة مع الخلق)) [ورد في القشيرية دون سند، باب التلوين والتمكين، بلفظ: لِي وَقْتٌ لاَ يَسَعُنِي فِيهِ غَيْرُ رَبِّي عزَّ وجلّ بعد ذكر حديث الترمذي الحسن الصحيح: لَوْ بَقِيتُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ في مَجَالِسِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ وَفي طُرْقكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةَ سَاعَةٌ وَسَاعَةٌ وقال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة: يشبه أن يكون معنى ما للترمذي في الشمائل ولابن راهويه في مسنده عن علي في حديث طويل: كان إذا أتى منزله جزأ دخوله أجزاء جزءا لله تعالى وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ثم جزءا جزأه بينه وبين الناس.]
ولنا متابعة في حقيقة الغيرة.
معناه: كن على يقين من قوة شيخك، لا تجعل أحدا يشترك معه في قلبك. لذا أجاب شيبان : كيف تسألني وأنا في كل لحظة معه تعالى. ليس فقط في التوقيت الأرضي لكن بالتوقيت السماوي أتعلم التوقيت السماوي يا أحمد؟ لا. فقط يعلم التوقيت الأرضي. كما روي أن النبي ص أمر بلالا أن ينتظر ثم فجأة أمره أن يؤذن. قال ففس لحظة تحركت الشمس 50000 سنة. [لم أجده. وفي مسند أحمد وأبي يعلى ومصنف ابن أبي شيبة وصحيح ابن حبان: يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِقْدَارَ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، فَيَهُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ.] لأن الأذان ليس في وقتنا بل في الوقت الذي يقبله النبي ص على توقيت البيت المعمور في مكة والمدينة. لكن الله سبحان وتعالى يقبله منا ويجعله وقتا صحيحا. فمن يعطيك هذه الأسرار إن لم يعطها الأولياء؟ فلا تعترض على طريقهم إنهم ماشون حسب إرادة الله تعالى.
مرة سأل رسول الله ص سيدنا علي هل صليت العصر؟ قال لا. والشمس على وشك الغروب. فأمر رسول الله الشمس أن تعود إلى الوراء حتى يصلي سيدنا علي العصر. [عن أسماء بنت عُميس رضي الله عنها. رواه الطحاوي في مشكل الآثار والطبراني في الكبير وابن أبي عاصم في السنة وصححه الطحاوي والقاضي عياض في الشفا وابن الحذّاء الحسكاني ولبن برهان الدين الحلبي والقاضي ابن الزملكاني والسيوطي وغيرهم.]
كذلك أولياء الله يُظهِرون فقط نقطة من تلك الأسرار. غفر الله لنا ورزقنا حياة طيبة ولمولانا الشيخ ناظم الصحة والعافية بحرمة الحبيب بحرمة الفاتحة.