Available in: Arabic   English   Go to media page

سماع الأولياء هدىً وتهذيب للنفس، والأمر فوق الطاعة

صحبة الصبح ألقاها حضرة الشيخ هشام القباني في فانتون ميشيغان

بعد صلاة الفجر في رمضان 1431 الموافق 16 آب 2010

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. نويت الإعتكاف، نويت الأربعين، نويت الخلوة، نويت الرياضة، نويت العزلة، نويت السلوك، نويت الصيام في هذا المسجد. بسم الله الرحمن الرحيم، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.

منذ يومين أو أقل تفضل مولانا بصحبة قال فيها أمرت أن أنزل إلى مستواكم. فلا تؤاخذوني لما سأذكره لكم. يقولون مثل هذا الكلام ليكون عبرة لنا. قال: تظنون أنكم شيء وأنتم لا شيء يا رؤساء يا ملوك أين تظنون أنكم ذاهبون؟ أي: من أين لكم هذا العلو في الأرض كأنكم تطيرون في الهواء، وهو ذروة دعاوى النفس.

هذا لنفهمه وأكرر الذي قلته في مراتب الأقطاب الخمسة: قطب، قطب الأقطاب، قطب البلاد، قطب الإرشاد، وقطب المتصرف. ثم البدلاء والنجباء والنقباء والأوتاد والأخيار.

ولنفهم أننا قد نرى من أحدهم شيئا مغايرا لأفكارنا ولعلك تعترض ولعلك تتركه. وقد ضرب الله تعالى مثلا عظيما في القرآن لما ذكر كيف بعث سيدنا موسى عليه السلام إلى أحد عباده. قال له هذا العبد: لن تستطيع معي صبرا. لنعلم أن من رافق صاحب علم مغاير لعلمك، لن تتفقا. ومقصوده قمع النفس. حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. كيف خرقها أعنده آلة لم يذكرها القرآن؟ بل بنظرة واحدة!

قال: أخرقتها؟ وأولياء الله يريدون أن يخرقوا نفسك الأمارة ويسحبوها منك

فحينئذ تصعد وتطير! مثل مولانا جلال الدين الرومي إذا ارتفع في الهواء. فقال له: قلت لك إنك لن تصبر. أنظر إلى جرأة سيدنا الخضر التي أعطاها الله له حتى يكلم أحد أولي العزم بهذه الطريقة. أما نحن فنسلم لسيدنا موسى بكل احترام.

ثم قتل الولد: فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا. قال كيف؟ فهمنا السفينة وأما الآن القتل لنفس بريئة! فأجابه قلت لك لن تصبر. لذا مصاحبة الأولياء صعبة جدا. كما قال بعض الناس أمس: نحب مولانا لكن الذي نراه حوله صعب علينا. ومولانا في تسليمية مطلقة لا يعترض. ومَن حوله لا يعلم، فيعترض. لكن اعلم أن علم الولي ليس كعلم سائر الناس. إن لم يُعلمك الله فلن تفهم حتى لو كان سيدنا موسى عليه السلام!

فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ. لأن الكنز الذي تحت الجدار كاد يظهر فأقامه سيدنا الخضر ولو لم يضيّفه أهل القرية. فعاملهم بالمعروف ولم يرد سيئتهم بالسيئة. أما في شرع سيدنا موسى: فالعين بالعين والسن بالسن. وفي شرع سيدنا عيسى عليه السلام: إذا ضربك على الخد الأيمن فقدم له الأيسر. وأما في شرع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فالتسليم المطلق! بلا شائبة نفس ولا حركة أي بلا تقديم الخد الأيسر لأن فيه نوع من التحدي فهو من النفس، بل تسليم مطلق. فقال مولانا: أيها الرئيس! أنت جالس في قصرك في مجالسك العالية إذ يدق جرس وأنت تنهض على الفور. جرس مهم يدعوك بحماسة تعال إلي يا حبيبي وادخل خلائي فإني أحبّك! وهو الحش، تعليما لنا ألا نرى أنفسنا في مقام عال. أولياء الله لا يرضون لك أن تسمع لنفسك الأمارة بالسوء. يريدون منك أن تسمع فقط لما أمرك به الله ورسوله. مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا.

فسُئل الشيخ أبو الحسن الشاذلي عن السماع فأجاب: ألِفوا ما وجدوا آباءهم الضالين عليه. أي لا تزيغوا بل اتبعوا الوسطية كما قال ص: نحن أمة وسطا. لسنا لبرالية لكن نطيع قوانين البلاد كما يأمر الإسلام. إن خالفنا القانون نصبح في الحبس فلا نعترض على من طالبنا بالهوية! وأولياء الله يطالبون بالهوية فمن أبى خاب.

الأمر فوق الأدب. كيف جاء أكبر علماء الإسلام إلى الأولياء وسلموا لهم ولو كانوا أكبر العلماء؟ لأنهم الذي يعلمونه إنما هو من طريق الأوراق لا الأذواق. يضربون لك المثل لتفهم. حبة الطاقة تعطيك قدرة، أتستعملها؟ فيعطيك ذاك الولي ذوقا. فإذا أمرك بشيء، فالأمر فوق الأدب، أي فوق الذي تختاره وتعلمه أنت. سيدنا الخضر يعلم أن السفينة لا ينبغي أن تخرق لكن خرقها لحكمة أظهرها الله له ولم يظهرها لسيدنا موسى.

قال لما سأله عن السماع قال: الحذر، لا تسمع لما تريد نفسك أن تسمع، بل فقط لما يريد الله لك أن تسمعه. فقال رأيت بالمنام كأني بين يدي كتاب الفقيه ابن عبد السلام. وفي يدي الأخرى أوراق من الشعر. ماذا يعلمون عن مولانا الرومي اليوم؟ شعره فقط. ولا يذوقونه فوق رتبة الشعر. فتناول أستاذي الكتابين مني وقال لي كالمستهزئ: أتعدلون عن العلوم الزكية أي الفقه (وأشار إلى كتاب الفقه) إلى هذه (وأشار إلى أوراق الشعر)؟ ثم رمى بها وقال: من أكثر من هذه فهو عبد هواه وأسير شهوته ومُناه! قال: بهذا الشعر يسترقّون قلوب الجهلاء. كالأغاني التي هي بعيدة من طريق الله، كلها في الشهوات لتجلب الصغار والكبار. أما إذا قرأنا الشعر السماوي كالبردة وغيرها يصرخون بدعة!

ثم قال: لا يَقدرون على معرفة الله فيتمايلون عند سماعها. كما يفعلون عند الرقص الغربي والشرقي. أكثر المحطات الفضائية في الأغاني وأقلها في العرفان والتصوف. قال: ولم ينالوا الذي يناله أهل الشهود. هم فقط منشغلون بشهوة أنفسهم. ولا يبالون أمر الله تعالى أنه يريدك فقط أن تنشغل بذكره ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)).

لذا ذكّرنا مولانا بالأمر الإلهي لسيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. لغِيرة الله، لا يريدك أن تكون في ذكر سواه. لذا رفع سيد الخلق ليلة الإسراء والمعراج إليه ورفع ذكره فوق جميع الخلق بلا شريك. وأمره أن يخبرهم: ((إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني)) لأنكم لستم مهيئين لمحبته. فإن اتبعت شيخا حقيقيا يُصلحك ولو من بعيد، يصلح سمعك. أما إذا ظلمت نفسك فالله سبحان وتعالى يقلب عليك الأحوال من الأعلى إلى الأسفل.

قال: إذا كانت الروح تنزل عليها المعرفة ستكون كالدرة. والنفس حينئذ تنبت وتنمو. لذلك سيدنا الخضر بهذا العلم مهما فعل هو مقبول. خرق السفينة، قتل الولد، أقام الحائط: كله مقبول! أما المخالف فمهما فعل فهو عمل غير مقبول. وقتل الولد: قتل النفس الأمارة. ثم عمارة الحائط: حاجز للشيطان حتى لا يدخل على قلبك. إذا كانت الروح بأمطار العلوم دارّة فكل ما فعلته النفس مقبول: فقد ثبت الخير كله. وإلا حصل القحط والجدب. أي الروح مغلوبة من النفس الأمارة. فانتبه ماذا تستمع إليه. في مراقصهم يرقصون ويتمايلون. أنت كنت ترقص أم ما زلت؟؟ القحط لا نموّ فيه، لا نبات، ولا ثمرة. فانقلب الأمر وجاء الشر كله. لذا قلنا: الأمر فوق الأدب: اخرق، يعني اخرق. اقتل يعني اقتل النفس الأمارة. وسيدنا موسى يعلّم الأمة كذلك. وإلا الأمر كله ينقلب كما قلنا. فعليك بكلام الله الهادي وبكلام رسوله الشافي يريك الله السبيل والنبي يعطيك ما تحتاجه.

والأولياء يهدون على طريقه ص خواص الأمة. وأهل الحق إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه. وإذا سمعوا الحق أقبلوا عليه. كلام الله وكلام رسوله ومن يقترف حسنة نزيده فيها الحسنى. هذه من خصائص أولياء الله ولنا متابعة في شرح مراتبهم. ومن الله التوفيق بحرمة الفاتحة.

UA-984942-2