Go to media page Available in: English   Arabic   Turkish  

Jumaa

بسم الله الرحمن الرحيم

كونوا كجدول الماء الذي يسقي الزرع

مولانا الشيخ ناظم الحقاني

صحبة الجمعة 6 أيار 2011

(مولانا والحاضرون يقفون). الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. اشفع لنا يا سيد الأولين والآخرين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وخدماء شرائعهم. اغفر لنا يا ربنا، بجاه نبيك الكريم! ونقول، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. (مولانا يجلس).

دستور يا سلطان الأولياء، مدد، مدد يا رجال الله، مدد يا صاحب الإمداد، يا سيد الأولين والآخرين!

السلام عليكم، لكل الناس، أينما كانوا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. ونرجو من الله جل وعلا أن يعيش في سلام في الدارين، كل من يقبل هذا السلام. ومن لا يقبل، فالنار موعده.

أيها الناس! كلنا عباد ضعفاء. ولا أحد يعرف عدد الناس والمخلوقات الأخرى التي تعيش على وجه الأرض. بودي أن أسأل إن كان أحدهم يعلم، كم هي عدد السموات الموجودة؟ وبعض الناس يقوم برسم بعض الخرائط والتصاميم للكواكب والنجوم والمجرات، التي التقطوها عبر تلسكوبات متطورة جداً. أحضر لي أحدهم كتاب أطلس عن الفضاء. استغربت، كيف أن كتاباً صغيراً مثل هذا، والذي قام بتصميمه ورسم الخرائط فيه رجل صغير مثلنا، أن يضم بين دفتيه هذا البعد من الفضاء الشاسع، وأن يتحدث عنه بخبرة؟

سبحان الله! نحن البشر صغار في أجسامنا؛ صغار جداً مقارنة بالأرض التي نعيش عليها. وهذه الأرض صغيرة جداً مقارنة بمجموعتنا الشمسية، ومجموعتنا الشمسية صغيرة جداً مقارنة بمجرتنا. ومجرتنا، مجرة درب التبانة صغيرة جداً في المجموعة المحلية. ومجرتنا درب التبانة تحتوي على مئات البلايين من النجوم. وعدد المجرات الموجودة وما فيها من نجوم لا يحصى لها عدد. وما كل هذه إلا كبقعة صغيرة جداً .. وهذا الأطلس يحتوي على صور العديد من المجرات العملاقة. وقد وصلوا في علم الفضاء إلى حد لا يمكن تجاوزه إلى أبعد من ذلك. فما بعد هذا الحد لم يجدوا إلا ظلمة. الله أكبر! .. فما هي هذه الظلمة؟

إن الخالق سبحانه وتعالى خلقه مستمر، (مولانا يقف تعظيماً لله عز وجل ثم يجلس). لا يتوقف أبداً من الأزل إلى الأبد. سبحان الله! إن الله جل وعلا لا يحتاج إلى الخلق، وإنما يخلق ويستمر في الخلق، تكريماً لمن جعله وسيلة بينه وبين خلقه. وما هو إلا تلك العين التي تتدفق منها الحياة، وهو السبب في كل موجود؛ خاتم الأنبياء والمرسلين، حبيب رب العالمين، الذي تكريماً له، الخلق مستمر من الأزل إلى الأبد. والله عز وجل أكرم الإنسان بالمعرفة. والعارف مستنير بنور المعرفة. وذلك النور الذي أفاضه الله سبحانه وتعالى على الناس لا نهاية له، تكريماً لخاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، (مولانا يقف تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يجلس وكذلك الحاضرون).

جسمنا المادي ليس له قيمة. والقيمة إنما لشخصيتنا الحقيقية، وهي غير معروفة لنا. ولا يعلم أحد حقيقته. ولكن الخالق أودع حقيقة جميع خلقه عند خليفته. ولم ينل هذا الشرف، ألا وهو معرفة حقيقة جميع الخلائق من رب العالمين وخالق الخلائق أجمعين، إلا أعز وأجل وأحب خلقه في حضرته، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، (مولانا يقف تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يجلس).

أيها الناس! انظروا إلى الدنيا بعين الاحتقار، فإنها صغيرة ولا تساوي شيئاً. وأصبحت مثل "الفلك المشحون"، أي السفينة المحملة. وقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الأرض مثل تلك السفينة، وأُهبطنا إليها، بعد أن كرّمنا الله سبحانه وتعالى وجعلنا خلفاء له في هذه الأرض. وأما خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، فهو الحجاب الأعظم القائم بين يدي رب الخلائق، ولا يمكن لأحد تجاوزه، (مولانا يقف تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يجلس).

أيها الناس! قيمتنا الجسمانية لا يذكر. ولكن ثمة شيء ما أعطي للبشر؛ شيء آخر تماماً، ألا وهو الإدراك. فقيمتنا المادية في هذه المجرة ليست إلا كنقطة، أو أقل من ذلك بكثير. وأما إدراكنا فيمكنه أن يتسع أكثر فأكثر، ويستوعب مفاهيم جديدة تتنزل علينا من عند رب العالمين؛ من عند الله سبحانه وتعالى. فعلينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على أن خلقنا بشراً، لأنه لم ينل أحد من الخلق تكريماً مثلما نال به البشر.

أيها الناس أينما كنتم شرقاً وغرباً، حاولوا أن تفهموا شيئاً، من هذا العطاء الذي أكرمتم به من قِبل الله سبحانه وتعالى، ألا وهو الإدراك. وأنتم لا تستخدمون تلك الآلة؛ آلة الفهم أو الإدراك على أصولها. فإنكم إذا استخدمتموها على أصولها أوصلكم إلى الحياة الخالدة، التي لا نهاية لها. ولذلك، الشيء المهم الذي أودعه الله جل وعلا فينا هو الفهم وليست أجسامنا المادية. وهو الفهم الذي أُعطي للبشر عن طريق الأنبياء عليهم السلام. وقد قاموا بدعوتنا، وفتحوا لنا باب الوصول إلى بعض الحقائق، التي تمنحنا مزيداً من الشرف والعز في بحار الزمن اللا متناهية.

أيها الناس! تعالوا واستخدموا عقولكم لتستوعبوا الحقيقة التي لا تتغير أبداً ولا تتبدل. هناك حقيقة وهناك زيف. ومن يبذل جهده لينال شيئاً من الفهم الصحيح، فسوف يُفتح أمامه درجات متفاوتة من الإدراك والفهم، بحيث تكون كل درجة أكثر بهاءً وروعة وأكثر إشراقاً وأكثر متعة من الدرجة التي قبلها. وإلا ستكونون مثل جدول الماء الذي يجري في أرض مقفرة، ليصب في البحر، وهولا يسقي في طريقه، زرعاً ولا شجراً.

بعض الجداول تصادف في طريقها إلى البحر الأشجار فترويها، فتزهر تلك الأشجار، ثم تعطي ثمارها. تلك الجداول قدمت نفعاً، أي أنها أفادت واستفادت. فكل قطرة ماء من تلك الجداول، التي ساهمت في إحياء الأشجار وإكساب نضارتها وإعطاء ثمارها، نالت تكريماً. فالماء فيه سر الحياة من بحر الحياة {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ}.

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذيِنَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتاً رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ}، (الأنبياء:30).

لقد جعل الله سبحانه وتعالى تلك الخاصية في بعض المياه، ألا وهي منح الحياة لكل شيء. فالكل في تغير وتبدل مستمر بسر هذا الماء، وبلا حد. ولكن للأسف، أصبح معظم الناس مثل تلك الجداول التي تجري لتصب في البحر دون أن تكلف خاطرها بالعروج إلى إحدى البساتين لتسقي شيئاً من مختلف الأشجار والزروع.

لقد دعانا رب العالمين .. أيها الناس، تعالوا واتبعوا سبيلي فأنا على عهدي بأن أكرمكم وأعزكم. ولكن شرط أن تكونوا مثل تلك القطرة التي جاءت لتسقي تلك الشجرة. ولكن لكل شيء نظام معين أو آداب معينة، وضعها الله جل وعلا، وعلينا أن نتبعه. وتلك القطرة أيضاً، عليها أن تتبع نظاماً معيناً عند دخولها في جوف الشجرة، ألهمه إياها الله سبحانه وتعالى. فإذا قامت بعملها على حسب الأصول وراعت الآداب التي وضعها الخالق جل وعلا، نالت تكريماً. ولكن للأسف تجري العديد من الجداول وتصب في البحر، وهي غير راعية لتلك الآداب. ورب العالمين بعث لنا الأنبياء مع الآداب. وهذه الآداب هي الشرائع السماوية. فمن حافظ على شريعة الله نال زيادة في التكريم. وإلا نهايته كتلك القطرة التي تجري في الجدول لتصب في البحر.

أيها الناس! كلفوني بالتحدث إليكم لتفهموا شيئاً. كثير من الناس لا يهتم بإقامة الشرائع التي نزلت من السماء. والذي لا يقيم شريعة الله، معناه أنه لا يريد إتباع آداب معينة أو نظام معين ينتج ثماراً. فالشجرة تحتاج إلى نظام معين حتى تعطي ثمرتها. فمن اتبع الأسس والقواعد أكرم، ويكون من الذين خصهم الله بسيما في وجوههم، {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}. ومن لم يتبع، فقد ذهب تعبه سدىً ومصيره مثل تلك الجداول التي تصب إلى البحر دون أن تسقي زرعاً أو شجراً. ولن يكون هناك فرصة ثانية بالعودة ثانية لينال ذلك التكريم.

وفي هذا العصر معظم الناس لا يقبلون الالتزام .. (يتحدث باللغة التركية). ومن لا يهتم فلا يهمنا أمره. سوف يأخذه البحر ولن يرجع ثانية. إنما التكريم لمن قبل الالتزام، فهؤلاء دائماً يثمرون وإلى الأبد! كثير من الناس ينتقلون إلى الحياة الأبدية، ولكن بصورة ذلك الجدول، من غير أن يفيدوا ويستفيدوا. فكما أن الماء تمنح سر الحياة، كذلك الشرائع السماوية تمنح تكريماً. من قبل بها نال تكريماً. ومن لم يقبل بها يمحى عن الوجود. غفر الله لنا!

أيها الناس! تعالوا واقبلوا شريعة الله، لتنالوا سعادة الدارين. فإذا انعدمت الشريعة لأصبحت حياتنا قذرة، لا قيمة لها، ولأصبح الناس يأكل بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً. والقاتل والمقتول في النار أبداً.

وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، فقيل: هذا القاتل فما بال المقتول، قال: قد أراد قتل صاحبه"، (متفق عليه).

عش حياة كريمة لتنال التكريم في الآخرة. وإن لم تقبل هذا، فمصيرك إلى ذلك البحر. ولن تعود ثانية، أبداً! {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}، (المؤمنون:99). فهل سيرجعون؟ أبداً! ولو عادوا مائة مرة، فلن يتغيروا بل سيقومون بالأعمال التي قاموا بها سابقاً. غفر الله لنا!

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالوُا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْا رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، (الأنعام: 27-28).

أيها الناس! تعالوا واتبعوا شريعة الله، واتركوا تلك الأنظمة والقوانين التي استعرتموها من الشيطان. وتخلصوا من عقلية الشيطان. وإلا سيكون مصيركم سوءاً! هذا ما أُمرنا بتبليغه للناس كافة. إذا قبلوا الالتزام بشريعة الله فلهم سعادة الدارين. وإن لم يقبلوا بها فذلك هو الخسران المبين؛ خسروا كل ما وعدنا بها الله سبحانه وتعالى من عطايا.

أيها الناس! لا تتبعوا خطوات الشيطان، واسلكوا سبل الهداية التي بينها الله جل وعلا على يد الأنبياء عليهم السلام، من لدن آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم! (مولانا الشيخ يقف ثم يجلس). الفاتحة.

(مولانا يعطي البيعة).

UA-984942-2